[color=black]تحامل النشاشيبي على الدكتورطه حسين ـ الجزء الثاني[/color]
صفحة 1 من اصل 1
[color=black]تحامل النشاشيبي على الدكتورطه حسين ـ الجزء الثاني[/color]
تحامل النشاشيبي على الدكتورطه حسين ـ الجزء الثاني
ظروف العميد قبل ترأسه تحريرجريدة(الكاتب):
فلقد سقط حزب الوفد من الوزارة وكان أول هدف للوزارة التالية تصفية نفوذ حزب الوفد، والتضييق على طه حسين الذي كان أحد أبرز المنحازين إليه،وحاولت الوزارة الجديدة النيل من مكانته،وهو المستشار الفني لوزير المعارف ومدير جامعة الإسكندرية في الوزارة الوفدية السابقة
(1942-1944)،واتخذ القصر منه موقفاً معادياً في الفترة ، وبدأ الملك فاروق يضغط على طه حسين بعد أن أخفقت مساعيه في استمالته إليه،فأحاله على المعاش بمرسوم ملكي،ثم سعى للتضييق عليه،فعين مراقباً من قبله في جامعة الإسكندرية أخذ يضايق طه حسين حتى صاح في وجهه في إحدى المرات،(3)،عندئذ لم يجد بداً من الاستقالة،وكان يمرّ بضائقة مالية، فوجد عملاً آخر له رئيساً لتحرير جريدة (الكاتب) التي ما لبثت أن توقفت،وقد صرح طه حسين أن الحكومة أجبرته على تصفية دار النشر والمجلة ، وروت قرينته (سوزان) أن القصر كان السبب في توقف جريدة الكاتب، وروى الباحثون أنَّ أصحاب دار النشر أنفسهم طالبوا إيقافها، فبيعها الضئيل (لا يفي بنفقات الإنتاج) (4)، وهكذا كثر خصوم طه حسين وأعداؤه الذين كالوا له اتهامات شتى غير تهمة الصهيونية،وكان في طليعتهم الملك فاروق نفسه الذي بلغ غضبه من طه حسين أن قال لمن حوله في إحدى المراتأنتم لا تعرفون خطورة هذا الرجل،إنه الرئيس السري للشيوعية في مصر،والحكومة نفسها لا تعرف ذلك،ولكن أنا أؤكد لكم أن المعلومات التي عندي تثبت أنه الرئيس الأعلى للشيوعية عندنا.)، (5) فإذا كان المصري صهيونياً إذا رأس تحرير مجلة أو صحيفة،أصحابها يهود،كما يرى الأستاذ النشاشيبي، فإنَّ هذا الرأي يمكن أن ينطبق على سائر مجالات الحياة في مصر في تلك الفترة،وإذن فكل مصري له علاقة عمل مع أحد أفراد الجالية اليهودية قبل العام 1948 الذين قد لا يكون قسم منهم صهاينة هو صهيوني، فمن من المصريين يبرأ إذن من إدانة الأستاذ النشاشيبي ؟ وأولى به في رأيه هذا أن يدين مرحلة ما قبل العام 1948 كلّها ليس في مصر فحسب، وإنما في العالم العربي كافة !! فهل هذا حق ؟
رد محمدحسنين هيكل على تهمة النشاشيبي:
وندع الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل يرد على الأستاذ النشاشيبي: (ومن السخف أن يزعم أحد ـ كما يحلو للبعض الآن ـ أن الدكتور (طه حسين) كان يعمل لليهود،وإنما الصحيح،وهذا هو السياق التاريخي للحوادث، أنّ عميد الأدب العربي كان شريكاً في الاعتقاد، سواء كان الخلاف أو الاتفاق معه ـ بانتماء مصر إلى مجتمع البحر الأبيض المتوسط، وتلك هي رسالته في كتابه الهام عن مستقبل الثقافة المصرية .) (6) وليس من حاجة للسؤال : لماذا لم يحصل (طه حسين) على جائزة (نوبل) في تلك الأيام ؟ وكان في الوقت الذي ألقى فيه المحاضرة، أو ترأس فيه جريدة (المصري) بلغ ذروة الإبداع وشيوع الصيت والشهرة،وليس كما يزعم كاتب المقال أنّ قرّاء جريدة (الجمهورية) لم يسمعوا به، فروائعه ترجمت في ذلك الحين إلى أشهر لغات العالم الحيّة ، وأنها ولجت بيسر إلى رحاب العالمية، وعلى ما أظن رشحته في وقت من الأوقات أعلى هيئة تنظيمية إقليمية هي جامعة الدول العربية لهذه الجائزة الخاضعة للنفوذ الصهيوني، ومع ذلك لم ينلها حتى ساد الاعتقاد أن الجائزة لا تمنح لعربي، أظن الإجابة معروفة لا تحتاج إلى إيضاح.
طه حسين عاش فرنسياً بالنسبةإلى مصر:
أمّا زعم كاتب المقال أنّ طه حسين عاش فرنسياً بالنسبة إلى مصر، فلا أسوق للرد عليه إلاَّ دليلاً واحداً أحسبه كافياً . يقول : (طه حسين) الذي انتدبته الجامعة المصرية لحضور مؤتمر الآثار الدولي الذي انعقد في سوريا وفلسطين العام 1926 في تقريره المرفوع إلى الجامعة المصرية : (وقد لاحظت أَنَّ السوريين والفلسطينيين ينقصهم قبل كل شيء تعليم وطني، فهم مقسمون بين التعليم الفرنسي والتعليم التركي، وإذن يجب على مصر أن تنشر في هذه البلاد تعليمها الشرقي والعربي ، وأن تنشئ فيها طائفة من المدارس الثانوية تعد الشبان السوريين والفلسطينيين لتلقي دروسهم العالية في جامعتنا المصرية، والسوريون والفلسطينيون أنفسهم يتمنون هذا .) ويقول في التقرير نفسه: (على كل حال فإني أتمنى أن أرى المدارس المصرية تنافس في سوريا وفلسطين مدارس الفرنسيين والإنجليز.) (7) إن وطنية (طه حسين) التي لا يرتاح إلها الكاتب،لا يستمدها من أحد،ولا يمنحها إياه أحد،وإنما يثبتها (طه حسين) بمواقفه من خلال منهجه في السلوك والممارسة والكتابة،فطه حسين منذ أن كان فتى، قاوم الاحتلال البريطاني لمصر، وحرّض الناس على التمرد والثورة، وطالب بالدستور شعراً ونثراً حتى اشتد ضغط الملك عليه بعد أن أخفق في استمالته إليه، فأقاله من وظيفته، ثم أخذ القصر عن طريق الوزارة السعدية الموالية للملك في تضييق الخناق عليه،ولا يخفى على أحد موقف طه حسين في دفاعه عن بلده مصر في أثناء تعرضه للعدوان الثلاثي، العام 1956، ولعل إفراط طه حسين الشديد في تعلقه بمصر،وتعصبه لها كان سبباً في اتهام الكثيرين له بالمغالاة وبالفرعونية التي ربما كان يدعو إليها في طور مبكر من حياته السياسية ثم ما لبث أن دعا فيما بعد إلى انضمام مصر إلى مجتمع البحر الأبيض المتوسط .
طه حسين لم يكن عربياً،ولاعروبياً:
أنا أقدّر دوافع الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي في ارتيابه من عروبة العميد طه حسين حين زعم أَنَّ العميد (لم يكن عربياً ولا عروبياً أبداً)،لأنني أعرف أن العميد لم يكن ميّالاً إلى عروبة مصر في وقت من الأوقات،ولا مؤمناً بالوحدة العربية، ولم يكن داعية لها رغم إيمانه بأنَّ اللغة العربيةوالثقافةوالدين هي من أهم العناصرالأساسية في تكوين المجتمع المصري،وأعرف أنّه في وقت من الأوقات،عدّالدكتورطه حسين الفتح العربي الإسلامي لمصرغزواًلها،وأنّ العرب غزاة مثلهم في ذلك مثل الغزاة اليونانيين والرومان والفرس الذين غزوا مصر، وأعرف أن معركة حامية شهدتها صفحات مجلة (الرسالة) نشبت بينه وبين المفكرين العرب بين عامي 1938 – 1939. لاسيما بعد ظهور كتابه (مستقبل الثقافة في مصر)، وكان في مقدمة من تصدى له المفكر القومي الكبير أبو خلدون ساطع الحصري،أعرف هذا جيداً، كما يعرفه غيري أيضاً،ولكنني أعرف الجانب الآخر في طه حسين أيضاً.
نموالعروبة في وعي العميد بعد نشوء جامعة الد ول العربية:
أعرف أنَّ العروبة بدأت تنمو في وعيه وفكره بعد نشوء جامعة الدول العربية في العام 1944، ومعروف أنه كان قبل ذلك من المدافعين عن اللغة العربية، ومن أوائل المتصدين للداعين إلى إحلال اللهجةالمصرية مكانها،وكاتب المقال نفسه أورد في ملخص المحاضرة المنسوبة إلى (طه حسين) أنه كان يثني على المدارس الإسرائيلية التي شرعت تعير العربية اهتماماً،ويحث يهود مصر على الإقبال على اللغة العربية،وعلى تذوق الأدب العربي،وطه حسين دعا فيما بعد إلى توحيد برامج التعليم في الأقطار العربية،وتسهيل التبادل الثقافي (واستحسن أن يكون هناك تعاون اقتصادي وحتى تحالف عسكري) ( وقد تكرر دفاع طه حسين عن العرب في الثلاثينات في أكثر من موضع،فحين هاجم توفيق الحكيم العرب ردَّ عليه طه حسين مقارناً بين رأيه ورأي المستشرقين قائلاًوأحسبكم جميعاً تظلمون العرب ظلماً شديداً،وتقفون على أمرهم بغير الحق .) (9) وحاضر في عدة محافل دولية عن أثر الحضارة العربية الإسلامية في الشرق والغرب،وأكد في مؤتمر الأدباء العرب الذي عقد في مصر العام 1957 (أَننا متحدون مع العرب الآخرين بوسائل من أهمها اللغة والدين والثقافة والإيمان.) (10) وربما كانت الوحدة العربية في فكر طه حسين تعني الثقافة واللغة والدين ليس غير، بينما يرى العامل السياسي يحول دون تحقيق الوحدة العربية بين مصر وسائر الدول العربية. بيد أنَّ هذه الوحدة تنامت في فكره، وأخذت في مرحلة متأخرة تتعمق في وعيه، فإذا به يؤكد خلافاً لماضيه على عروبة مصر،وإذا به يتصدى للفئة الانفصالية التي فصلت سوريا عن مصر، وغَدَرت بأماني العرب،وروَّجتْ على الوحدة الأكاذيب.
تصدي العميد للفئة الانفصالية:
فيقول فيها : (فلتردد ألسنة الفئة الباغية ما شاءت من هذا السخف وأمثاله، فهي لن تضر مصر، ولن تضر المصريين في شيء،وهي لن تمسَّ عروبة المصريين قليلاً أو كثيراً، ولن تستطيع أن تنازع المصريين فضلهم على إحياء الحضارة العربية والتراث العربي، ولتطمئن هذه الفئة الباغية،فلن يتحول المصريون عن عروبتهم، ولن يقصروا في حماية العروبة وفي إحياء التراث العربي ونشره لينتفع منه القريب والبعيد،ولينتفع منه العربي وغيرالعربي، لأنَّ مصر لا تستطيع أن تغيرّ طبيعتها، ولأن تاريخ مصر قد فرض عليها واجباً مقدساً، تأبى أن تقصّر فيه مهما تكن الظروف ، وهو أن تتعلم ما استطاعت إلى التعليم سبيلاً ، وتنشر العلم من حولها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً،ولا عليها أن تجحد فضلها في ذلك قلة قليلة من أعداء العروبة، ومن أعداء الشعب السوري نفسه،لاهي في العير،ولا في النفير .)
(11) واستغرب كيف يجهل هذه المواقف المضيئة كلها في حياة ذلك الرجل من تزعم مجلة (سوراقيا) أنه أعرف الناس به ؟ولاشك عندي أن كاتب المقال يعرف هذه المواقف حق المعرفة إذا كان أعرف الناس به حقاً، ولكنه يتجاهلها لسبب يدفعه إلى هذا التجاهل، ويدفعه أيضاً إلى اتخاذ مواقف من طه حسين،
سبب تحامل النشاشيبي على العميد:
لا أظن السبب خافياً . فالأستاذ (النشاشيبي) نفط غضبه على (شرايبر) رئيس تحرير مجلة (الإكسبريس) الفرنسية لأن الأخيرتعمّد إلغاء موعد المقابلة معه يوم زار باريس في مهمة صحافية لتغطية أخبار (مؤتمر الأقطاب) العام 1960، حيث اعتبر كاتب المقال محاولة (الزميل) الصهيوني المسيو (شرايبر) إلغاء المقابلة معه تطاولاً على كرامته وعلى جريدة (الجمهورية) التي كان يرأس تحريرها بعد ما تبين للمسيو (شرايبر) أن كاتب المقال (مقدسي الأصول وفلسطيني الهوى...إلخ) رغم أن (الزميل) الصهيوني نفى هذا الكلام، ولما عاد (النشاشيبي) إلى القاهرة نشر القصة كاملة على صفحات الجمهورية ، وسرد كل التفاصيل المتعلقة بموعده معه،وقد كذّبها (شرايبر) ثم لجأ إلى صديقه طه حسين الذي ناصره على الأستاذ النشاشيبي. فالذي دعا كاتب المقال إلى البحث عن علاقة طه حسين باليهود وبالحركة الصهيونية فيما يحسبه كاتب المقال،وقوف العميد إلى جانب (الزميل) الصهيوني،والصهيوني عند كاتب المقال (زميل).ويبدو أنَّ الأستاذ (النشاشيبي) أحسَّ قبل هذه المسألة بضآلة دوره أو بغيابه أمام شخصية طه حسين رئيس تحرير جريدة (الجمهورية)،وربما كان هذا الإحساس يستبد به،ويضايقه حتى إذا حدثت هذه المسألة فيما بعد تضاعف إحساسه بالضيق، فقرر،كما يقول الكاتب عن نفسه، الابتعاد(عن جريدة طه حسين)،فلو أنَّ هذا(الزميل) الصهيوني الذي كان الأستاذ النشاشيبي يسعى إلى مقابلته، استقبل كاتب المقال، ورحّب به لما كان الأستاذ شتمه، وربما ما اعتبره النشاشيبي صهيونياً، ولو أن طه حسين لم يناصر (شرايبر) عليه ، كما تراءى له، لانتهى كل شيء على خير كما يقولون،ولما كانت هناك حاجة للبحث في هذه العلاقة، وربما كان لكاتب المقال في العميد،حينئذ رأي مخالف، ومن يدري ؟ فربما كان أثنى وقتئذ على محاضرته في الإسكندرية لو عثر عليها مصادفة من غير بحث، فالنشاشيبي في بحثه عن علاقة طه حسين باليهود وبالحركة الصهيونية لم يكن دافعه إلى ذلك، إذن، نشدان الحقيقة أو تحرّي الموضوعية بقدر ما كان الانتقام ورد الاعتبار، وهذا الدافع هو الذي لوّن ذكريات كاتب المقال عن هذا العميد، فهو يعرض العميد علينا في حال تدعو إلى الإشفاق عليه، وأحياناً السخرية منه ذلك أنَّ الوقائع التي سردها الكاتب عن طه حسين كانت إهانة لشخصه ، ونيلاً من مكانته، أو هي كما يقول طه حسين نفسه: ( تهريج كالتجريح، أو ضحك كالبكاء أو تمثيل كضرب السياط) وأسرة جريدة (الجمهورية) كما يصوّرها كاتب المقال ، وهو أحد أعضائها كانت تقابل توجيهات طه حسين الرامية إلى الارتقاء بإسلوب الجريدة لتجنيبها منزلقات الهبوط بالرفض والتهكم والضحك، وكاتب المقال يقول: (ولم يعنيني أمر الإشارة إلى نصائحه إلى جلسات التحرير.)،ولكنه أبرز لنا من حيث لا يقصد في تموجات سياق ذكرياته عن طه حسين جانباً إنسانياً في حياته ، فهو إنسان متسامح مع خصومه ، ومع من اختلفوا معه، أوأساؤوا إليه،وينسى الإساءة،أو يتعالى عليها، ويعود المرضى من أولئك وهؤلاء، ويلحّ في السؤال عن صحتهم إلحاحاً يسبب له عنتاً وفظاظة من بعضهم ، وليت صحافينا الكبير جارى هذا الجانب الإنساني في طه حسين، فاستجاب لمن طلبوا منه زيارة العميد في فترة مرضه بدلاً من أن يصد عنه،ولكنه يقولولم أزره في منزله كما طلبوا مني، ولم أسأل عنه في فترات مرضه .) ليته فعل ذلك، إذن لكان كبيراً في أعيننا كبر طه حسين في عيون من عرفوه معرفة حقة. إنَّ ذكريات كاتب المقال عن طه حسين بدت في مرآته شاحبة قاتمة،لا تليق بمكانة هذا الرجل العظيم،وآية ذلك أنَّ مرآته لم تكن صافية نقية، فصاحبهاالأستاذ استحكمت به الاعتبارات الشخصية المدفوعة بعقد الحقد والكراهيةعمن يتحدّث عنه، فلم يستطع أن يربأ بنفسه عنها، أو يتحرر منها حيث حرفته عن الإنصاف والموضوعية،وأنا لا أريد أن أظلم الأستاذ النشاشيبي، كما ظلم هو، فيما أظن،طه حسين،فهو اعترف بذلك صراحة بقوله : (الزميل الذي لا أحب)، وبقوله أيضاً: (وتبادلنا الكراهية بكل رضى وتصميم)، ثم تمادى بكرهه له، وحقده عليه إلى حد التشفي بعاهتهوقد غضب الله على طه حسين،وجعله حبيس منزله،وحبيس العقد النفسية بداخله) فإذا كان هذا موقف كاتب المقال ممن يتحدث عنه، فكيف يطمئن القارئ إلى إنصافه له ؟ بل كيف يطمئن إلى صحة ما يرويه عنه ؟ وإذن من حق القارئ أن يتحفظ في قبول كل رواية أو سرد ذكريات ورد في مقال الكاتب يسيء إلى هذا الرجل الكبير الذي كان باعتراف من عرفه أو قرأ له : (أسطع ضوء للفكر العربي في القرن العشرين ، والمنارة المضيئة في الشرق.).
النشاشيبي لم يواجه العميد حياً:
ولكم تمنيت لو أن كاتب المقال جابه طه حسين حياً بالوجه الصهيوني بدلاً من خلعه عليه بعد رحيله، وليس عندي من تفسير لذلك سوى أنهَّ لم يكن يجرؤ على مواجهته لافتقاره إلى الدليل،ولو توافر لديه ما رحمه،وإلاَّ فلماذا آثرالابتعاد عما أسماه بـ (جريدة طه حسين)،وكان أولى به أن يسخرّ قلمه الذي خذله في مواجهة طه حسين يوم كان حّياً لتعرية دعاة التطبيع اليوم على حقيقتهم الذين ما فتأَت أقلامهم المسعورة تروّج للمشروع الصهيوني من خلال تبشيرها بالنظام الشرق أوسطي المشبوه ، والأدلة لديه عن هؤلاء موفورة لا تحصى،ولا تحتاج إلى بحث أو تنقيب، فأين قلمه من هؤلاء ؟ وأين قلمه من المهرولين إلى الاستسلام ؟ أليس كاتب المقال( مقدسي الأصول ، وفلسطيني الهوى،وعربي الميول،وقومي النزعة،وصميمي المبدأ .) ؟ ليس التجني على الناس بعد رحيلهم شجاعة،ولكن الشجاعة في مواجهتهم،وهم أحياء .
حسين حمدان العسّاف
الإحالات:
(1) - مجلة (سوراقيا) اللبنانية - عدد (7 . 6) الاثنين 17 نيسان 1995- السنة الثانية عشرة (الوجه الآخر لطه حسين – النشاشيبي) ص 13.
(2) - (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) محمد حسنين هيكل – الكتاب الأول – دار الشروق اللبنانية – الطبعة الرابعة - (الحاخام حاييم ناحوم) .
(3) طه حسين والسياسة - مصطفى عبد الغني - دار المستقبل العربي- الطبعة الأولى - العام1986- ص 174.
(4) - المصدر نفسه – ص174.
(5) - المصدر نفسه – ص 175 من كتاب محمد حسين هيكل – جـ 2- ص 288 .
(6) - (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) محمد حسنين هيكل - الكتاب الأول - دار الشروق اللبنانية - الطبعة الرابعة – ص161.
(7) - مجلة (العربي) الكويتية – عدد (441) - آب1995-(طه حسين وأوراقه المجهولة) - الأستاذ نبيل فرج .
( - طه حسين والسياسة – مصطفى عبد الغني – دار المستقبل العربي – القاهرة – الطبعة الأولى – ص 215 .
(9) - مجلة الرسالة – 15/6/1933 .
(10) - طه حسين والسياسة – مصطفى عبد الغني – دار المستقبل العربي – القاهرة – الطبعة الأولى – ص 217
(11) – كتاب (كلمات) – الدكتور طه حسين – (دار العلم للملايين) اللبنانية – طبعة ثانية 1977- (بين العروبة والفرعونية) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظروف العميد قبل ترأسه تحريرجريدة(الكاتب):
فلقد سقط حزب الوفد من الوزارة وكان أول هدف للوزارة التالية تصفية نفوذ حزب الوفد، والتضييق على طه حسين الذي كان أحد أبرز المنحازين إليه،وحاولت الوزارة الجديدة النيل من مكانته،وهو المستشار الفني لوزير المعارف ومدير جامعة الإسكندرية في الوزارة الوفدية السابقة
(1942-1944)،واتخذ القصر منه موقفاً معادياً في الفترة ، وبدأ الملك فاروق يضغط على طه حسين بعد أن أخفقت مساعيه في استمالته إليه،فأحاله على المعاش بمرسوم ملكي،ثم سعى للتضييق عليه،فعين مراقباً من قبله في جامعة الإسكندرية أخذ يضايق طه حسين حتى صاح في وجهه في إحدى المرات،(3)،عندئذ لم يجد بداً من الاستقالة،وكان يمرّ بضائقة مالية، فوجد عملاً آخر له رئيساً لتحرير جريدة (الكاتب) التي ما لبثت أن توقفت،وقد صرح طه حسين أن الحكومة أجبرته على تصفية دار النشر والمجلة ، وروت قرينته (سوزان) أن القصر كان السبب في توقف جريدة الكاتب، وروى الباحثون أنَّ أصحاب دار النشر أنفسهم طالبوا إيقافها، فبيعها الضئيل (لا يفي بنفقات الإنتاج) (4)، وهكذا كثر خصوم طه حسين وأعداؤه الذين كالوا له اتهامات شتى غير تهمة الصهيونية،وكان في طليعتهم الملك فاروق نفسه الذي بلغ غضبه من طه حسين أن قال لمن حوله في إحدى المراتأنتم لا تعرفون خطورة هذا الرجل،إنه الرئيس السري للشيوعية في مصر،والحكومة نفسها لا تعرف ذلك،ولكن أنا أؤكد لكم أن المعلومات التي عندي تثبت أنه الرئيس الأعلى للشيوعية عندنا.)، (5) فإذا كان المصري صهيونياً إذا رأس تحرير مجلة أو صحيفة،أصحابها يهود،كما يرى الأستاذ النشاشيبي، فإنَّ هذا الرأي يمكن أن ينطبق على سائر مجالات الحياة في مصر في تلك الفترة،وإذن فكل مصري له علاقة عمل مع أحد أفراد الجالية اليهودية قبل العام 1948 الذين قد لا يكون قسم منهم صهاينة هو صهيوني، فمن من المصريين يبرأ إذن من إدانة الأستاذ النشاشيبي ؟ وأولى به في رأيه هذا أن يدين مرحلة ما قبل العام 1948 كلّها ليس في مصر فحسب، وإنما في العالم العربي كافة !! فهل هذا حق ؟
رد محمدحسنين هيكل على تهمة النشاشيبي:
وندع الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل يرد على الأستاذ النشاشيبي: (ومن السخف أن يزعم أحد ـ كما يحلو للبعض الآن ـ أن الدكتور (طه حسين) كان يعمل لليهود،وإنما الصحيح،وهذا هو السياق التاريخي للحوادث، أنّ عميد الأدب العربي كان شريكاً في الاعتقاد، سواء كان الخلاف أو الاتفاق معه ـ بانتماء مصر إلى مجتمع البحر الأبيض المتوسط، وتلك هي رسالته في كتابه الهام عن مستقبل الثقافة المصرية .) (6) وليس من حاجة للسؤال : لماذا لم يحصل (طه حسين) على جائزة (نوبل) في تلك الأيام ؟ وكان في الوقت الذي ألقى فيه المحاضرة، أو ترأس فيه جريدة (المصري) بلغ ذروة الإبداع وشيوع الصيت والشهرة،وليس كما يزعم كاتب المقال أنّ قرّاء جريدة (الجمهورية) لم يسمعوا به، فروائعه ترجمت في ذلك الحين إلى أشهر لغات العالم الحيّة ، وأنها ولجت بيسر إلى رحاب العالمية، وعلى ما أظن رشحته في وقت من الأوقات أعلى هيئة تنظيمية إقليمية هي جامعة الدول العربية لهذه الجائزة الخاضعة للنفوذ الصهيوني، ومع ذلك لم ينلها حتى ساد الاعتقاد أن الجائزة لا تمنح لعربي، أظن الإجابة معروفة لا تحتاج إلى إيضاح.
طه حسين عاش فرنسياً بالنسبةإلى مصر:
أمّا زعم كاتب المقال أنّ طه حسين عاش فرنسياً بالنسبة إلى مصر، فلا أسوق للرد عليه إلاَّ دليلاً واحداً أحسبه كافياً . يقول : (طه حسين) الذي انتدبته الجامعة المصرية لحضور مؤتمر الآثار الدولي الذي انعقد في سوريا وفلسطين العام 1926 في تقريره المرفوع إلى الجامعة المصرية : (وقد لاحظت أَنَّ السوريين والفلسطينيين ينقصهم قبل كل شيء تعليم وطني، فهم مقسمون بين التعليم الفرنسي والتعليم التركي، وإذن يجب على مصر أن تنشر في هذه البلاد تعليمها الشرقي والعربي ، وأن تنشئ فيها طائفة من المدارس الثانوية تعد الشبان السوريين والفلسطينيين لتلقي دروسهم العالية في جامعتنا المصرية، والسوريون والفلسطينيون أنفسهم يتمنون هذا .) ويقول في التقرير نفسه: (على كل حال فإني أتمنى أن أرى المدارس المصرية تنافس في سوريا وفلسطين مدارس الفرنسيين والإنجليز.) (7) إن وطنية (طه حسين) التي لا يرتاح إلها الكاتب،لا يستمدها من أحد،ولا يمنحها إياه أحد،وإنما يثبتها (طه حسين) بمواقفه من خلال منهجه في السلوك والممارسة والكتابة،فطه حسين منذ أن كان فتى، قاوم الاحتلال البريطاني لمصر، وحرّض الناس على التمرد والثورة، وطالب بالدستور شعراً ونثراً حتى اشتد ضغط الملك عليه بعد أن أخفق في استمالته إليه، فأقاله من وظيفته، ثم أخذ القصر عن طريق الوزارة السعدية الموالية للملك في تضييق الخناق عليه،ولا يخفى على أحد موقف طه حسين في دفاعه عن بلده مصر في أثناء تعرضه للعدوان الثلاثي، العام 1956، ولعل إفراط طه حسين الشديد في تعلقه بمصر،وتعصبه لها كان سبباً في اتهام الكثيرين له بالمغالاة وبالفرعونية التي ربما كان يدعو إليها في طور مبكر من حياته السياسية ثم ما لبث أن دعا فيما بعد إلى انضمام مصر إلى مجتمع البحر الأبيض المتوسط .
طه حسين لم يكن عربياً،ولاعروبياً:
أنا أقدّر دوافع الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي في ارتيابه من عروبة العميد طه حسين حين زعم أَنَّ العميد (لم يكن عربياً ولا عروبياً أبداً)،لأنني أعرف أن العميد لم يكن ميّالاً إلى عروبة مصر في وقت من الأوقات،ولا مؤمناً بالوحدة العربية، ولم يكن داعية لها رغم إيمانه بأنَّ اللغة العربيةوالثقافةوالدين هي من أهم العناصرالأساسية في تكوين المجتمع المصري،وأعرف أنّه في وقت من الأوقات،عدّالدكتورطه حسين الفتح العربي الإسلامي لمصرغزواًلها،وأنّ العرب غزاة مثلهم في ذلك مثل الغزاة اليونانيين والرومان والفرس الذين غزوا مصر، وأعرف أن معركة حامية شهدتها صفحات مجلة (الرسالة) نشبت بينه وبين المفكرين العرب بين عامي 1938 – 1939. لاسيما بعد ظهور كتابه (مستقبل الثقافة في مصر)، وكان في مقدمة من تصدى له المفكر القومي الكبير أبو خلدون ساطع الحصري،أعرف هذا جيداً، كما يعرفه غيري أيضاً،ولكنني أعرف الجانب الآخر في طه حسين أيضاً.
نموالعروبة في وعي العميد بعد نشوء جامعة الد ول العربية:
أعرف أنَّ العروبة بدأت تنمو في وعيه وفكره بعد نشوء جامعة الدول العربية في العام 1944، ومعروف أنه كان قبل ذلك من المدافعين عن اللغة العربية، ومن أوائل المتصدين للداعين إلى إحلال اللهجةالمصرية مكانها،وكاتب المقال نفسه أورد في ملخص المحاضرة المنسوبة إلى (طه حسين) أنه كان يثني على المدارس الإسرائيلية التي شرعت تعير العربية اهتماماً،ويحث يهود مصر على الإقبال على اللغة العربية،وعلى تذوق الأدب العربي،وطه حسين دعا فيما بعد إلى توحيد برامج التعليم في الأقطار العربية،وتسهيل التبادل الثقافي (واستحسن أن يكون هناك تعاون اقتصادي وحتى تحالف عسكري) ( وقد تكرر دفاع طه حسين عن العرب في الثلاثينات في أكثر من موضع،فحين هاجم توفيق الحكيم العرب ردَّ عليه طه حسين مقارناً بين رأيه ورأي المستشرقين قائلاًوأحسبكم جميعاً تظلمون العرب ظلماً شديداً،وتقفون على أمرهم بغير الحق .) (9) وحاضر في عدة محافل دولية عن أثر الحضارة العربية الإسلامية في الشرق والغرب،وأكد في مؤتمر الأدباء العرب الذي عقد في مصر العام 1957 (أَننا متحدون مع العرب الآخرين بوسائل من أهمها اللغة والدين والثقافة والإيمان.) (10) وربما كانت الوحدة العربية في فكر طه حسين تعني الثقافة واللغة والدين ليس غير، بينما يرى العامل السياسي يحول دون تحقيق الوحدة العربية بين مصر وسائر الدول العربية. بيد أنَّ هذه الوحدة تنامت في فكره، وأخذت في مرحلة متأخرة تتعمق في وعيه، فإذا به يؤكد خلافاً لماضيه على عروبة مصر،وإذا به يتصدى للفئة الانفصالية التي فصلت سوريا عن مصر، وغَدَرت بأماني العرب،وروَّجتْ على الوحدة الأكاذيب.
تصدي العميد للفئة الانفصالية:
فيقول فيها : (فلتردد ألسنة الفئة الباغية ما شاءت من هذا السخف وأمثاله، فهي لن تضر مصر، ولن تضر المصريين في شيء،وهي لن تمسَّ عروبة المصريين قليلاً أو كثيراً، ولن تستطيع أن تنازع المصريين فضلهم على إحياء الحضارة العربية والتراث العربي، ولتطمئن هذه الفئة الباغية،فلن يتحول المصريون عن عروبتهم، ولن يقصروا في حماية العروبة وفي إحياء التراث العربي ونشره لينتفع منه القريب والبعيد،ولينتفع منه العربي وغيرالعربي، لأنَّ مصر لا تستطيع أن تغيرّ طبيعتها، ولأن تاريخ مصر قد فرض عليها واجباً مقدساً، تأبى أن تقصّر فيه مهما تكن الظروف ، وهو أن تتعلم ما استطاعت إلى التعليم سبيلاً ، وتنشر العلم من حولها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً،ولا عليها أن تجحد فضلها في ذلك قلة قليلة من أعداء العروبة، ومن أعداء الشعب السوري نفسه،لاهي في العير،ولا في النفير .)
(11) واستغرب كيف يجهل هذه المواقف المضيئة كلها في حياة ذلك الرجل من تزعم مجلة (سوراقيا) أنه أعرف الناس به ؟ولاشك عندي أن كاتب المقال يعرف هذه المواقف حق المعرفة إذا كان أعرف الناس به حقاً، ولكنه يتجاهلها لسبب يدفعه إلى هذا التجاهل، ويدفعه أيضاً إلى اتخاذ مواقف من طه حسين،
سبب تحامل النشاشيبي على العميد:
لا أظن السبب خافياً . فالأستاذ (النشاشيبي) نفط غضبه على (شرايبر) رئيس تحرير مجلة (الإكسبريس) الفرنسية لأن الأخيرتعمّد إلغاء موعد المقابلة معه يوم زار باريس في مهمة صحافية لتغطية أخبار (مؤتمر الأقطاب) العام 1960، حيث اعتبر كاتب المقال محاولة (الزميل) الصهيوني المسيو (شرايبر) إلغاء المقابلة معه تطاولاً على كرامته وعلى جريدة (الجمهورية) التي كان يرأس تحريرها بعد ما تبين للمسيو (شرايبر) أن كاتب المقال (مقدسي الأصول وفلسطيني الهوى...إلخ) رغم أن (الزميل) الصهيوني نفى هذا الكلام، ولما عاد (النشاشيبي) إلى القاهرة نشر القصة كاملة على صفحات الجمهورية ، وسرد كل التفاصيل المتعلقة بموعده معه،وقد كذّبها (شرايبر) ثم لجأ إلى صديقه طه حسين الذي ناصره على الأستاذ النشاشيبي. فالذي دعا كاتب المقال إلى البحث عن علاقة طه حسين باليهود وبالحركة الصهيونية فيما يحسبه كاتب المقال،وقوف العميد إلى جانب (الزميل) الصهيوني،والصهيوني عند كاتب المقال (زميل).ويبدو أنَّ الأستاذ (النشاشيبي) أحسَّ قبل هذه المسألة بضآلة دوره أو بغيابه أمام شخصية طه حسين رئيس تحرير جريدة (الجمهورية)،وربما كان هذا الإحساس يستبد به،ويضايقه حتى إذا حدثت هذه المسألة فيما بعد تضاعف إحساسه بالضيق، فقرر،كما يقول الكاتب عن نفسه، الابتعاد(عن جريدة طه حسين)،فلو أنَّ هذا(الزميل) الصهيوني الذي كان الأستاذ النشاشيبي يسعى إلى مقابلته، استقبل كاتب المقال، ورحّب به لما كان الأستاذ شتمه، وربما ما اعتبره النشاشيبي صهيونياً، ولو أن طه حسين لم يناصر (شرايبر) عليه ، كما تراءى له، لانتهى كل شيء على خير كما يقولون،ولما كانت هناك حاجة للبحث في هذه العلاقة، وربما كان لكاتب المقال في العميد،حينئذ رأي مخالف، ومن يدري ؟ فربما كان أثنى وقتئذ على محاضرته في الإسكندرية لو عثر عليها مصادفة من غير بحث، فالنشاشيبي في بحثه عن علاقة طه حسين باليهود وبالحركة الصهيونية لم يكن دافعه إلى ذلك، إذن، نشدان الحقيقة أو تحرّي الموضوعية بقدر ما كان الانتقام ورد الاعتبار، وهذا الدافع هو الذي لوّن ذكريات كاتب المقال عن هذا العميد، فهو يعرض العميد علينا في حال تدعو إلى الإشفاق عليه، وأحياناً السخرية منه ذلك أنَّ الوقائع التي سردها الكاتب عن طه حسين كانت إهانة لشخصه ، ونيلاً من مكانته، أو هي كما يقول طه حسين نفسه: ( تهريج كالتجريح، أو ضحك كالبكاء أو تمثيل كضرب السياط) وأسرة جريدة (الجمهورية) كما يصوّرها كاتب المقال ، وهو أحد أعضائها كانت تقابل توجيهات طه حسين الرامية إلى الارتقاء بإسلوب الجريدة لتجنيبها منزلقات الهبوط بالرفض والتهكم والضحك، وكاتب المقال يقول: (ولم يعنيني أمر الإشارة إلى نصائحه إلى جلسات التحرير.)،ولكنه أبرز لنا من حيث لا يقصد في تموجات سياق ذكرياته عن طه حسين جانباً إنسانياً في حياته ، فهو إنسان متسامح مع خصومه ، ومع من اختلفوا معه، أوأساؤوا إليه،وينسى الإساءة،أو يتعالى عليها، ويعود المرضى من أولئك وهؤلاء، ويلحّ في السؤال عن صحتهم إلحاحاً يسبب له عنتاً وفظاظة من بعضهم ، وليت صحافينا الكبير جارى هذا الجانب الإنساني في طه حسين، فاستجاب لمن طلبوا منه زيارة العميد في فترة مرضه بدلاً من أن يصد عنه،ولكنه يقولولم أزره في منزله كما طلبوا مني، ولم أسأل عنه في فترات مرضه .) ليته فعل ذلك، إذن لكان كبيراً في أعيننا كبر طه حسين في عيون من عرفوه معرفة حقة. إنَّ ذكريات كاتب المقال عن طه حسين بدت في مرآته شاحبة قاتمة،لا تليق بمكانة هذا الرجل العظيم،وآية ذلك أنَّ مرآته لم تكن صافية نقية، فصاحبهاالأستاذ استحكمت به الاعتبارات الشخصية المدفوعة بعقد الحقد والكراهيةعمن يتحدّث عنه، فلم يستطع أن يربأ بنفسه عنها، أو يتحرر منها حيث حرفته عن الإنصاف والموضوعية،وأنا لا أريد أن أظلم الأستاذ النشاشيبي، كما ظلم هو، فيما أظن،طه حسين،فهو اعترف بذلك صراحة بقوله : (الزميل الذي لا أحب)، وبقوله أيضاً: (وتبادلنا الكراهية بكل رضى وتصميم)، ثم تمادى بكرهه له، وحقده عليه إلى حد التشفي بعاهتهوقد غضب الله على طه حسين،وجعله حبيس منزله،وحبيس العقد النفسية بداخله) فإذا كان هذا موقف كاتب المقال ممن يتحدث عنه، فكيف يطمئن القارئ إلى إنصافه له ؟ بل كيف يطمئن إلى صحة ما يرويه عنه ؟ وإذن من حق القارئ أن يتحفظ في قبول كل رواية أو سرد ذكريات ورد في مقال الكاتب يسيء إلى هذا الرجل الكبير الذي كان باعتراف من عرفه أو قرأ له : (أسطع ضوء للفكر العربي في القرن العشرين ، والمنارة المضيئة في الشرق.).
النشاشيبي لم يواجه العميد حياً:
ولكم تمنيت لو أن كاتب المقال جابه طه حسين حياً بالوجه الصهيوني بدلاً من خلعه عليه بعد رحيله، وليس عندي من تفسير لذلك سوى أنهَّ لم يكن يجرؤ على مواجهته لافتقاره إلى الدليل،ولو توافر لديه ما رحمه،وإلاَّ فلماذا آثرالابتعاد عما أسماه بـ (جريدة طه حسين)،وكان أولى به أن يسخرّ قلمه الذي خذله في مواجهة طه حسين يوم كان حّياً لتعرية دعاة التطبيع اليوم على حقيقتهم الذين ما فتأَت أقلامهم المسعورة تروّج للمشروع الصهيوني من خلال تبشيرها بالنظام الشرق أوسطي المشبوه ، والأدلة لديه عن هؤلاء موفورة لا تحصى،ولا تحتاج إلى بحث أو تنقيب، فأين قلمه من هؤلاء ؟ وأين قلمه من المهرولين إلى الاستسلام ؟ أليس كاتب المقال( مقدسي الأصول ، وفلسطيني الهوى،وعربي الميول،وقومي النزعة،وصميمي المبدأ .) ؟ ليس التجني على الناس بعد رحيلهم شجاعة،ولكن الشجاعة في مواجهتهم،وهم أحياء .
حسين حمدان العسّاف
الإحالات:
(1) - مجلة (سوراقيا) اللبنانية - عدد (7 . 6) الاثنين 17 نيسان 1995- السنة الثانية عشرة (الوجه الآخر لطه حسين – النشاشيبي) ص 13.
(2) - (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) محمد حسنين هيكل – الكتاب الأول – دار الشروق اللبنانية – الطبعة الرابعة - (الحاخام حاييم ناحوم) .
(3) طه حسين والسياسة - مصطفى عبد الغني - دار المستقبل العربي- الطبعة الأولى - العام1986- ص 174.
(4) - المصدر نفسه – ص174.
(5) - المصدر نفسه – ص 175 من كتاب محمد حسين هيكل – جـ 2- ص 288 .
(6) - (المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل) محمد حسنين هيكل - الكتاب الأول - دار الشروق اللبنانية - الطبعة الرابعة – ص161.
(7) - مجلة (العربي) الكويتية – عدد (441) - آب1995-(طه حسين وأوراقه المجهولة) - الأستاذ نبيل فرج .
( - طه حسين والسياسة – مصطفى عبد الغني – دار المستقبل العربي – القاهرة – الطبعة الأولى – ص 215 .
(9) - مجلة الرسالة – 15/6/1933 .
(10) - طه حسين والسياسة – مصطفى عبد الغني – دار المستقبل العربي – القاهرة – الطبعة الأولى – ص 217
(11) – كتاب (كلمات) – الدكتور طه حسين – (دار العلم للملايين) اللبنانية – طبعة ثانية 1977- (بين العروبة والفرعونية) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسين العساف- المدير العام
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 24/06/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى