رجل من هذا الزمان:
واحـــــة الإبــــــداع :: أدب :: مقالة
صفحة 1 من اصل 1
رجل من هذا الزمان:
نظرة أخرى/صحيفة الوطن القطرية/السبت ـ 9/مارس/2002العدد(2379)
رجل من هذا الزما ن:
لم نكن ندري أننا نسير على درب الرجل عندما أخذتنا الدعابة إلى أقصاها، وبدأنا نقلده في تحدثه باللغة العربية الفصحى في جميع أمور حياته, لم نكن نعلم أن ذلك سيقودنا إلى اللغة ذاتها لنجد أنفسنا أسرى حلم عريض بالانتسا ب إلى كلية الآدا ب، قسم اللغة العربية . حسين العسّاف بطل من هذا الزمان مع الاعتذار لبطل رواية ليرمنتوف, أخلص في التدريس إخلاصه للغة، وزرع آلاف الأشجار في أرواح طلابه.كنا في أول الرحلة شباباً تجاوزوا الثانوية بعكاكيز قصيرة لم تؤهلنا لبلوغ أسوار الجامعة رغم أننا أنفقنا عليها من الأمنيات ما يكفي, الأمنيات التي ظلت معلقة على بواباتها تنتظر مجيئنا لنصافحها ولو بعد حين. ربما كان معهد إعداد المعلمين ا لجسر الممكن إلى تلك البوابات, كنا شباباً قادمين من القرى البعيدة شعثا غبرا، نخطر على د رب من احتمالات قلقة. وكانت القرى حاضرة فينا بغبارها وسنابلها وزوادات الأمهات المزمومة في أكياس صغيرة, القرى التي زرعت داخلنا نهراً من الحنين على ضفافه، تنمو أعشاب الغربة والتوجس من المدينة وطقوسها. المدينة التي ( بلا قلب) بحسب أحمد عبد المعطي حجازي. وكان حسين العسّاف يأخذ بمجامعنا شيئاً فشيئاً نحن الريفيين القادميين من البعيد بلغته وصرامته في الدرس وحديثه الدائم باللغة العربية الأمر الذي لم نألفه عند مدرسي اللغة الآخرين الذ ين د رسونا من قبل حيث تحضر معهم فصاحتهم إلى الفصل في أول الحصة، وتكون أول المغادرين في نهايتها. الرجل الذي شدنا إليه معلماً ومربياً. كنا نتأمل تجهمه الذي قربنا إليه، ولم ينفرنا منه، وكأننا نقرأ في ذلك ترجمة لاحباطا ت المحيط وترديه, وحسين العسّاف أول من أغواني بالاستسلام لجنيات الشعر على ارتباك أدواتي، تركني هناك في حقول الشعر أبذ ر، وأحصد، وأجني ولا أجني، وبالرغم من قسوته علينا في التحصيل وعدم تسامحه معنا في حفظ القوا عد وطرائق التدريس، فقد أحببنا اللغة العربية على يديه, كنا في بداية الربع الثاني من ثما نينيات القرن الماضي، وكان جرح بيروت لا يزال معتملا في النفوس, الجرح الذي حبّر آلاف الصفحات بقصائد نزقة وبألوان خيبتها المرة, ويومها عرضت عليه أول ما كتبت قصيدة با كية نزقة، ترثي، وتتوعّـد، وكان أن احتفى بها، واثنى علي ثناء جعلني إلى اليوم أتذوق أثره .
حسين العسّاف قطعة من نص قديم, قطعة آتية من كتب القرن الثاني الهجري بكلامه وطريقة شرحه ومعاملته لنا برغم ثيابه الأنيقة وربطة العنق وذقنه الحليقة, هو بعض مما ترك ا بن سلام والأصمعي، لايتحدث إلا العربية الفصحى حتى في بيته ومخلص لها حتى العظم وبالرغم من كل ذلك، فلم يأخذ عليّ اهتمامي بقصيدة التفعيلة ولا بقراءاتي الموازية لها. لا أدري لماذا أكتب عنه في هذا الوقت بالذات سوى أن هذا اليوم تعطل المدارس في بلادي احتفاء بيوم المعلم المصادف للسبت الثاني من كل مارس .وعلى كل حال فإن حسين العسّاف لن يكون في بيته هذا اليوم، فعلى الأغلب أنه سيسافر إلى قريته ليرى حقله الذي يذهب إليه في كل عطلة ليرى زرعه، وليتذكر أيام طفولته.
.الدوحة ... عيسى الشيخ حسن
حسين العساف- المدير العام
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 24/06/2008
واحـــــة الإبــــــداع :: أدب :: مقالة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى