حسن علي الخليل ـ مقالات ومقابلات صحفية (الجزءالأول)
صفحة 1 من اصل 1
حسن علي الخليل ـ مقالات ومقابلات صحفية (الجزءالأول)
حسن علي الخليل ـ مقالات ومقابلات صحفية
دراسة نقدية
صدركتيب،عنوانه: (حسن علي الخليل ـ مقالات ومقابلات صحفية) يقع في تسع وأربعين صفحة من القطع المتوسط . كتب مقدمته المهذبة الصحافي المعروف أحمد مظهر سعدو التي لاتخلو من مجاملة واضحة. قرأت في المقدمة عبارات، لفتت نظري، وأحببت أن أقف عندها قليلاً.
تعريف كاتب المقدمة بصاحب الكتيب:
تحدّث الصحفي كاتب المقدمة عن الأستاذ حسن علي الخليل،فقال عرفته شاعراً عربياً عروبياً ناصرياً )، كما تحدّث عن روا ج شعره، ومساحة انتشاره،فقال: ( يمتد شعره على امتداد وطن العروبة من الأطلسي حتى الخليج العربي) ثم عاد ليصفه بقوله: ( أبو خلدون ذاك الإنسان الشاعر والشاعر الإنسان الذي لاانفصام لديه بين الشعر والوطن والأمة . حسن الخليل صديق صدوق )ورأى أنه كاتب متمكن، سلس اللغة،جزل الكلمات .. تنساب الكلمة بين يديه كنهر الفرات)، وكأني بكاتب المقدمة، استدرك نفسه فتحفّظ، وأراد أن يترك الحكم على أشعاره للقارئ،فقال وكلمتي هذه ليست شهادة بقدر ما هي بدوة وبوابة مفتاحية لأي داخل إلى واحة الشاعر حسن)، و إذا كان الأستاذ حسن كما رآه كاتب المقدمة كاتباً متمكناً وشاعراً تنساب الكلمة بين يديه كنهر الفرات، وتمتد أشعاره على امتداد وطن العروبة، فمن حقه أن َ يفكر بجولة أدبية، يقوم بها إلى الأقطار العربية، يلقى فيها جماهير الأمة التي تقرأ أشعاره، وهذا شأ ن الشعراء الكبار الذين يحرصون على التواصل مع جماهير قرائهم، لذلك قال في إحدى مقابلاته الصحافيةوإنني أنوي القيام بجولات وزيارا ت لأقطار عربية لغايات أدبية)
رأي المؤلف في البعد القومي للشعر العربي:
وأتوقف الآن عند إجابته عن سؤال ألقته إليه جريدة (المجد) الأردنية في إحدى مقابلاته الصحافية المدونة في هذاالكتيب، وهو : كيف تنظر إلى البعد القومي للشعر العربي؟ فأجا ب الشعر العربي، ومنذ بدايا ته الأولى نشأ شعراً قومياً متوجهاً إلى الجماعة (القوم)، فالشاعر كان شاعر القبيلة (القوم ) والناطق باسمها، وصحيح أنه لكل قبيلة شاعر، لكنهم كانوا جميعاً سرعان ما يتجاوزون الانتماءات الخاصة إلى الأعم والأشمل ..إلى ما بخص القوم .)
الرد على المؤلف:
وهنا وقع الأستاذ في خطأ، أسا ء فيه فهم دلالة الكلمة، ويبدو أنَّ مفهوم ( القوم ) قد اختلط عليه،فمرة يفهم القوم على أنها كلمة تدل على الانتماء إلى القبيلة، ومرة أخرى يفهمها على نحو أوسع، تدل على مجموع القبائل التي يجمعها رابط مشترك، وبهذا يطبّق مفهوم (القومية) المعاصر المأخوذ من(القوم) على زمن قديم لم يكن فيه هذا المصطلح موجوداً، ولامفهوماً وقتذاك بدلالته المعاصرة، فجعل مفهوم ( القوم ) ضبابياً عائماً، ومن المعروف أن مفهوم (القوم) عند العرب الجاهليين، ومن جا ء بعدهم كان على نحو ما أشارت إليه المعجمات العربية القديمة، وعّرفه ابن منظور المصري في معجمه(لسان العرب ) بقوله القوم: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً ، وقيل: هو للرجال خاصة دون النساء .. وقوم كل رجل: شيعته وعشيرته.) فكلمة ( القوم ) عند القدماء تعني الجماعة والعشيرة، ولا تعني الأمة أو القومية، والشعر العربي في بدايته لم ينشأ شعراً قومياً بدلالة الكلمة المعاصرة، وإنما نشأ شعراً قبلياً، ولم تكن ( القومية ) بدلالتها المعاصرة معروفة في العصر القديم ، وكان الإنسا ن الجاهلي ومن جاء بعده شاعراً أو غير شاعر ، يكنّى بقبيلته، فيقال مثلاً: طرفة بن العبد البكري، وعروة بن الورد العبسي، وحاتم الطائي، والنابغة الذبياني، وكان الشاعر العربي القديم بوقاً إعلامياً لقبيلته، تستخدمه في مواجهة خصومها وأعدائها من القبائل العربية الأخرى ، وكانت النزاعات القبلية تنتهي أحياناً إلى حروب مستعرة قد تطول عقوداً من الزمن،وكانت النزاعات القبلية هي السائدة في العصر الجاهلي وما تلاه من عصور ، وأثمرت(شعر الحماسة) وشعر (المنصفات) وكان كل شاعر يتعصب لقبيلته على من يخاصمها أو يحاربها حتى قال أحدهم :
وما كنت إلاّ من غزية إنْ غوت غويت ، وإنْ ترشد غزية أرشد
ولم يكن عند الجاهلين وعي عربي يتخطى إطار القبيلة ليشمل القبائل العربية إلاَّ في حالات عفوية
ناد رة حين تستشعر بعض القبائل خطراً خارجياً، وفي أرقى أشكال التضامن القبلي في الجاهلية الذي تجلّى في معركة(ذي قار) بين الفرس وبعض القبائل العربية تخلّف بعض القبائل العربية في المشاركة بهذا التضامن،فعاتبها الأعشى البكري بقوله :
لو أنَّ كلّ مَعَدِّ كان شاركنا في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف
رأي المؤلف في الشعر العربي القديم والحديث:
وألقت إليه في هذا الكتيب جريدة ( صوت العرب ) القاهرية السؤال التالي: الشعر قديماً وحديثاً أين أنت من اللونين؟ فأجاب: (أصبح من الشائع والمتعارف عليه أن كلمة الشعر القديم تشير إلى الشعر المقفى والموزون وفق بحور الشعر العربي الستة عشر الفراهيدية .. والحديث تشير إلى كل ما هو خروج عليهما، وأنا شخصياً أرفض هذه القسمة، وهذا الخروج غير القانوني والدستوري بالنسبة للحديث، لأنَّ الشعرشعر، والنثر نثر، ولا وسط بينهما، وما يسمى قصيدة النثر، فهو مضحكة على اللحى، وعجز عن الارتقاء بالكلام إلى مستوى الشعر، وقد أكون مصيباً إذا قلت لك: إنَّ هناك من يدعم، ويشّجع ما يسمى بقصيدة النثر، ولا أَّظنه يريد لأدبنا الخير،فللقصيدة وزنها وقافيتها اللذان يحددان هويتها، ويمنحانها شهادة الميلاد .. ومع ذلك لم تحافظ هذه القصيدة على شكلها وقدسيتها، وإنما كان هناك خروج عليها بدءاً من نازك الملائكة ومروراً بفدوى طوقا ن وحجازي ودرويش ونزار، وكان خروجاً جميلاً مرخصاً ومسموحاً به، لا لأن هؤلاء شعراء كبار، وإنما لأنهم استأذنواوحا فظوا على الأصول والأمانة .. أمَّا الحديث والذي أظنّك قصدته، ألا وهو ما يسمى قصيدة النثر، فأعتقد أنه لم يلتزم بمحدّدا ت القصيدة، وكان خروجاً فوضوياً.)
الرد على المؤلف:
إنَّ إجا بته هذه تعكس فهمه للأدب والشعر، كما تعكس بجلاء مستوى ثقافته فيهما، والحق أن فهمه الخاطئ لبدا يا ت نشوء الشعر العربي في إجا بته عن السؤال السابق لم يد هشني قدر ما أد هشني فهمه للشعر، فهوعَرَّف الشعر بقوله إنَّ كلمة الشعر القديم تشير إلى الشعر المقفى والموزون وفق بحور الشعر الستة عشر الفراهيدية.)، وهذا يعني أَن الشعر مجرد من ( المعنى ) وعنصر المعنى من مكوّنات الشعر،وهذا الفهم متخلف ، يسيء إلى الشعر نفسه، ولو جا ء شعرالأستاذ مطابقاً لتعريفه لكان ضرباً من السخف لا معنى له، لأنه لغو لا طائل منه، وكان القدماء أكثروعياً منه في فهم الشعر، وقد عَرفّ الشعر قبل نحو ألف عام الناقد (قدامة بن جعفر) مؤلف كتاب (نقد الشعر) بأنه (قول موزون مقفى يدل على معنى )، ولم يجمع النقاد على هذا التعريف فحسب، وإنما أَضافواإليه أنه ينبغي أَن يثير فينا الانفعال، ويحرّك أسلوبه الجميل مشاعرنا، ولم يشترط فيه بعض المحدثين الوزن ولا القافية، ويرى أَن المتعارف عليه في الشعر الحديث أنه كل ماهو خارج على الوزن والقافية، والحق أنَّ هذا ليس متعارفاً عليه، فالبارودي شاعر كبير مقلد، كتب في الشعر العمودي، ولم يخرج عليه، ومع ذلك، يقول في إجابته عن السؤال نفسه إنه رائد الشعر الحديث )!! فكيف يتعارف الناس أَن الشعر الحديث هو كل ما خرج على الوزن والقافية، وأَن من يلتزم بهما ،البارودي، رائد الشعر الحديث؟ أليس هذا تناقضاً واضحاً وخلطاً بالمفاهيم؟ فالشعر الحديث بمضامينه قد لايخرج على الوزن والقافية، وقد يخرج عليهما، ولكنه يظل مع ذلك ملتزماً بوزن التفعيلة والروي المتنوع في القصيدة الواحدة، وبعبارة أخرى، الشعر الحديث يعني الشعر العمودي بمحتوى حد يث، كما يعني شعر التفعيلة أيضاً، وإذا أردنا التمييز بينهما على وجه الدقة، نقول: هذا شعر عمودي، وذاك شعر التفعيلة، أما الأستاذ فيرفض القسمة بينهما، ويرى أَن خروج الشعر الحديث غير قانوني ودستوري، ويعني بالشعر الحديث، شعر التفعيلة، والغريب أَنه يعود مرة أخرى في سياق إجابته نفسها ليرى أَن خروج نازك الملائكة وفدوى طوقان وحجازي ونزار، كان خروجاً جميلاً مرخصاً ومسموحاً به، لأنهم استأذنوا، وحا فظوا على الأصول والأمانة، ولم يذكر ماذا يقصد بالأصول والأمانة !! فكيف يكون الخروج على الشعر العمودي خروجاً غير قانوني ودستوري ومرة أخرى يكون جميلاً مرخصاً ومسموحاً له؟ ألأنَّ هؤلاء حافظوا على الأصول والأمانة، وغيرهم لم يحافظ عليهماا؟ ما الجهة التي أستأذنها هؤلاء حتى حصلوا منها على الترخيص اللازم؟ فسمحت لهم بإعلان إبداعهم، ونشر تجديدهم؟ وأريد أَن ألفت الأستاذ أَنْ لا شيء مقدس في الأدب كما توهم.
جهل المؤلف تطور حركة الشعر:
وقد أخطأ خطأ ينم عن جهله حركة تطور الشعر العربي حين ذكر أَن الخروج على الشعر العمودي ابتدأ في خمسينا ت القرن المنصرم بنازك الملائكة وفدوى طوقان ونزار وغيرهم، والحق أَن الخروج على الوزن والقافية كان قبل خمسينات القرن الماضي بوقت طويل، ربما كانت بدايته تعود إلى العصر العباسي حين ظهر الشعر الغنائي في تلك الفترة الذي اتسم بالليونة وبخفة الأوزان، ثم ظهرت الموشحات الأندلسية، فخرجت قصيدة الشعر الغنائي والموشحات على البحر الواحد والروي الواحد، ثم واصل الشعراء العرب محاولاتهم في التجد يد منذ بدايات القرن العشرين، فظهرت قصيدة(النهاية) عام ألف وتسعمائة وسبعة عشر للشاعر المهجري (نسيب عريضة)، وفيها خرج الشاعر على البحر الواحد والروي الواحد، ثم ظهرت بعدها بعامين قصيدة (المواكب) لجبران خليل جبران، وكان جبران يتلاعب فيها بالنغمات، ويمزج وزناً بوزن، ثم ظهر بعد ذلك شعر التفعيلة في قصيدة (الشراع) لخليل شيبوب عام اثنين وثلاثين وتسعمائة وألف، ثم توالت قصائد(شعر التفعيلة) في الظهور حتى نهاية أربعينا ت القرن الماضي، فظهرت حينذاك الأسماء التي توهم الأستاذ أنها كانت أول من خرج على الشعر العمودي، ولاشك أنَّ للشعراء الذين أشار إليهم فضلاً في ريادة شعر التفعيلة إلى جانب السيا ب والبياتي رغم أَنَّ هؤلاء كتبوا في الشعر العمودي أيضاً، ولم يحدثنا التاريخ الأدبي أَنَّ من سبق هؤلاء الروَّاد في الخروج على الشعر العمودي استأذنوا أحداً في نشر إبداعهم، أو أَنَّ محكمة قضائية أصدرت حكماً على تجديدهم أوإبداعهم بأنه غير قانوني أو دستوري.
الإبداع الأدبي لايحتاج نشره إلى استئذان:
فمتى كان الإبداع الأدبي يحتاج نشره إلى استئذان أو ترخيص؟ وهل من سلطة قضائية في الأدب كسلطات الدولة، ترسم للأدب دستوراً، وتضع للإبداع قوانين، فتوافق على ما يخضع للدستورأوالقانون، وتمنع نشر ما يخرج عنهما؟ ومن يدري؟ فربما لو خضع نتاج الأدب عندنا لسلطة أدبية صارمةخبيرة بالشعر والأدب،لاتحابي أحداً، مهمتها حماية الأدب من المتطفلين عليه، المسيئين إليه، لكانت أنقذته من تراكم نتاجات أدعياء الأدب والمتشاعرين، ولما تجرأ متشاعر أن يقتحم مجالاً ليس له، ويتخبط في إجا با ته عن أسئلة في الأدب والشعر تنم عن جهله بهما، ولكان شعرنا وأدبنا في ظل هذه السلطة، لو وجدت،بخير. الأستاذ ينظر إلى الشعر من زاوية مادية بحتة، لا تنسجم مع روحه وطبيعته، كأن الشعر معروض شخصي لمواطن، يتقدم فيه إلى دائرة من دوائر الدولة، يلتمس الموافقة عليه، أو طلب شخصي، أو سلعة تحتاج إلى الترخيص اللازم لعرضها ثم بيعها في السوق، ينظر إلى الشعر بعقلية البائع الذي يهدف إلى جني الربح وتجنّب الخسارة، ولاعجب في ذلك، فالأستاذ كانت عنده مكتبة، يبيع فيها الكتب والمواد القرطا سية إضافة إلى عمله بالزراعة وتد ريسه مادة الفلسفة، لذا هيمنت على ذهنه مفردات العمل التجاري(القسمة، قانون، مرخص، مسموح،الأمانة،الأصول)، وانعكست على مفهومه للشعر، ولا أظن سائله قصد بالشعر الحديث قصيدة النثر، وإنمّا الأستاذ فهم منه ذلك، وليس صحيحاً أَنَّ الشعر الحديث يعني قصيدة النثر، فالشعرالحديث شيء، وقصيدة النثر شيء أخر، واختلطت عليه دلالة مصطلح (الشعر الحديث) الفضفاض، فيحسبه مرة(شعر التفعيلة)، ويحسبه مرة أخرى( قصيدة النثر)، ولم يعد يميز بينهما، فالنقاد لا يرون الشعر في الكلام الجميل الذي له معنى، ويلتزم بالوزن والقافية إلاًّ إذا حَرَّك مشاعرنا، وأثارانفعالنا، فالتزام النص بالوزن والقافية والمعنى دون العاطفة والخيال لا يعني أنه نص شعري وإلاَّ لكانت ألفية ا بن مالك شعراً، وهي نظم، فما كل نظم شعر، ويرى النقاد الشعر في نصوص نثرية لا تلتزم بالوزن والقافية، فالفاصل بين الشعر والنثر ليس الشكل ولا الوزن والقافية ولا المعنى فحسب،
و إنما في روح النص أيضاً المكتوب بأسلوب جميل، يضطرم في داخله وهج ذات صاحبه.
قصيدة النثر ليست جديدة على أدبنا العربي:
إنَّ الشعر المنثور، أو ما يطلق عليه ( قصيدة النثر) هو شعر متحرر من قيود الروي والوزن، لاحدود لمساحته في التعبير، تتوهج فيه ذات الكاتب بأسلوب مؤثر يبلغ مستوى الشعر الجميل، يعجز أن يرتقي إلى مستواه نتاج المتشاعرين، وليس هذا النوع من الشعر حديثاً في أدبنا العربي، وإنما هو قديم جداً فيه، وقد نمت(قصيدة النثر) في العصر الحديث على أيدي أدباء موهوبين كبار،كانوا شعراء مؤثرين حقاً في نثرهم أمثال نزار قباني وطه حسين وغادة السمان وجبران خليل جبران ومي زيادة ومحمد الماغوط. ولم تخرج(قصيدة النثر)عن الشعر خروجاً فوضوياً كما يزعم، ولم تطرح نفسها بديلاً عن الشعر العمودي أو(شعر التفعيلة)، وإنما نمت نمواً طبيعياً، واتخذت لها مساراً مستقلاً يمثل إحدى حلقات تطورالشعر الذي يريده أن يظل جامداً على صيغة واحدة، لا يبارحها هي الشعر العمودي ليس غير.
المتطفلون على الشعر أساؤوا إليه:
نعم ! اقتحم ( قصيدة النثر) كتاب متطفلون، تنقصهم الموهبة والكفاءة، فكتبوا قصائد، أساءت إلى (قصيدة النثر)، ونفرت الناس من الشعر المنثور، كما اقتحم أمثال هؤلاء (شعر التفعيلة)، فكتبوا قصائد، أساءت إليه، ونفرت القّرّاء منه، واختلطت القصائد الرائعة بالقصائد الرديئة في( شعرالتفعيلة) و( قصيدة النثر)، ولكن ينبغي أن لا تحجب القصائد الرديئة عن عيوننا رؤية القصائد الرائعة؟ ولا تدفعنا القصائد الهابطة إلى الإعراض عن القصائد الجميلة في هذا الشعر أو ذاك. ولايصح أن نتخذ من القصائد الرديئة معياراً نحكم به على (شعر التفعيلة) أو (قصيدة النثر)، ونهمل القصائد السا طعة منه، لأنّ في ذلك تجنّياً على القصائد الرائعة، وقل مثل ذلك في الشعر العمودي الذي يكتب فيه الأستاذ، ويدافع عنه، فكثيرمن المتطفلين عليه، ممن يفتقرون إلى الكفاءة وموهبة الشعر، تسللوا إليه، فكتبوا فيه قصائد رديئة، أساءت إليه، ونفرت القراء منه رغم محاباة وسائل الإعلام لهم، وترويجها نتاجاتهم، فهل يصّح أن نتخذ قصائد هؤلاء(المتشاعرين) الرديئة مقياساً للحكم على الشعر العمودي، ونهمل القصائد الرائعة التي كتبها الشعراء الموهوبون الكبار؟ إنَّ المشكلة التي يعاني منها شعرنا العربي اليوم هي المشكلة نفسها التي تعاني منها مختلف ألوان الفنون والمعرفة في حياتنا الثقافية أنه ابتلى بالمتطفلين عليه، الأدعياء الذين اقتحموا ميدا ناً ليس لهم، ورغم ذلك كله، فإنَّ قصائدالشعر الجميلة الرائعة تظل تخطف الأضواء، تفرض نفسها، وتطغى على قصائده الرديئة الهابطة المنزوية في عتمة الإهمال والنسيان، أَمّا قوله: إنَّ من يشجع ( قصيدة النثر) لايريد لأدبنا الخير، كما يزعم، فأسأل: هل من يجهل النماذج الرائعة لرّواد ( قصيدة النثر)و( شعر التفعيلة)، ثم يطلق عليهما أحكاماً متسرعة، هو وحده يريد الخير لهذا الأدب؟ وماذا يمكن أن يفيد الشعر من يجهله؟ وهواعترف بعدم إطلاعه على الشعر الحديث، كما يسميه، وبجهله إياه، وإجاباته عن أسئلة في الشعر والأدب، تدل على ذلك، فقال لم يدخل نفسي، ولا ميل لي لقراءته) وليته لا يميل إلى قراءته فحسب، لكنّ الأنكى من ذلك، أنه لايميل إلى مطالعة الكتب الأدبية، وهذه مشكلته الحقيقية في الشعر والأدب والثقافة ! فكيف يجيز لنفسه أن يحكم على شعر لم يقرأه؟ أليس هذا ظلماً لشعر مايفتأ يكيل له التهم جزافاً ؟
المؤلف لايميز بين عناصر الأدب وأجناسه:
وأسوق على ما أزعم شاهداً من خارج الكتيب موضوع حديثنا، يبين مدى ثقافة الأستاذ الأدبية والشعرية وذلك ماجاء في حوار أجراه معه الصحفي المعروف أحمد مظهر سعدو بتأريخ 31/8/2007، ونشرعلى موقع مجلة(ديوان العرب)الإلكتروني، بعنوانحوار مع الشاعر السوري حسن علي الخليل) استهل الصحفي الحوار بمقدمة جاء فيها: (يتربع الشاعر العربي حسن علي الخليل على صهوةالشعر، فيخط بالقلم مايعجز عنه غيره بسواه)، أجا ب الأستاذ حسن من بين عـدة أسئلة مطروحة عليه عن سؤال حول أفول زمن الشعر وصعود القصة القصيرة والرواية، فقال: (الأدب عناصره القصة والإقصوصة والرواية والشعر، ويتوقف وجود الأد ب عن هذه الأنواع)، ونفهم من إجابة الأستاذ أنّ الأد ب موجود، إذاوجدت القصة والأقصوصة والرواية، وبدونها لا وجود له، وإذاً فالعرب لم يظهر عندهم أدب إلاّ في أواخر القرن التاسع عشروأوائل القرن العشرين حين أخذوا من الغرب الرواية والقصة والأقصوصة والمقالة والخاطرة، فماذا يقول الأستاذ عن الأد ب الجاهلي، وهو(ديوان العرب) الذي أخذت المجلة اسمه؟ وماذا يقول عن الأدب الإسلامي والعباسي والأندلسي الذي تحدّث عنه،وكتب فيه النقاد والباحثون والمؤرخون العرب وغيرهم قديماً وحديثاً؟ أليس هذا أدباً؟ إنّ عناصر الأدب ليست القصة والأقصوصة والرواية كما توهم الأستاذ، فهذه سمّاها النقاد فنون الأدب أوأجناسه، أمّا عناصر الأد ب التي يتألف منها الشعر والنصوص الأدبية الأخرى، فهي الفكرة والأسلوب والعاطفة والموسيقا والخيال، ينبغي أن لايخلط الأستاذ بين فنون الأدب وعناصره،. وأشهد للأستاذأنه كتب الشعر قبل ثمانينات القرن الماضي، لكن كتاباته فيه كانت عبثية أومزاجية ليست جادة يوم كانت أمواج الحياة العاتية في البداية تتقاذفه من مكان إلى آخر، ولم يكن يعرف الاستقرار، ويوم كانت طموحاته في الحياةلاحدود لها، وكان في أثناء ذلك ، يكتب شعراً حيناً، وينقطع عـنه في أغلب الأحيان، وكان يطلعني على ما يكتب، وأنا أنظر فيه، ولمّا رأيته مُصراً على مواصلة الكتابة في الشعر لم أجد بداً من حثه على تثقيف نفسه أدبياً وتمكينها لغوياً ونحوياً . صدرت له الدواوين التاليةأزاهير سيناء) و (أصداء نفسي) و (خفقات قلب)، وانتهى من طباعة ديوان(رجع الحنين)، وسلم للمطبعة ديوان(أكاد أعترف) أو مجموعة(العراقيات)، وأغلب دواوينه تصب في اتجاه واحد هو الموضوع الوطني والقومي.
أستاذه في الشعر:
ومثله الأعلى في الشعراء الشاعر الكبير(نزار قباني) الذي التف بعباءته، ولم يخرج منها قط، واعترف بتأثيره البالغ فيه، فقالإنني لا أنام إلاَّ وبعض دواوينه إلى جانبي، ولا أحدّث أحداً إلاَّ واستشهدت بأشعاره، فهو مدرسة، ولي بكل تواضع شرف الانتماء إليها)، وتجلى هذاالتأثيرفي قصائده، وبعد أن نشرت له الصحف العربية ما نشرت، وحاورته بما حاورت، وبعد أن أطرى كاتب المقدمة على ما كتبه في الشعر بما أطرى، وقالإنّ شعره يمتد على امتداد وطن العروبة من الأطلسي حتى الخليج العربي)، وبعدما صار يحسب نفسه شاعراً ذا شأن، تقرأ له جماهيرالأمة ما يكتبه، صار من حقه عـلي أن أقرأ نتاجاته ومحاوراته وقصائده المنشورة.
حسين حمدان العسّـا ف
دراسة نقدية
صدركتيب،عنوانه: (حسن علي الخليل ـ مقالات ومقابلات صحفية) يقع في تسع وأربعين صفحة من القطع المتوسط . كتب مقدمته المهذبة الصحافي المعروف أحمد مظهر سعدو التي لاتخلو من مجاملة واضحة. قرأت في المقدمة عبارات، لفتت نظري، وأحببت أن أقف عندها قليلاً.
تعريف كاتب المقدمة بصاحب الكتيب:
تحدّث الصحفي كاتب المقدمة عن الأستاذ حسن علي الخليل،فقال عرفته شاعراً عربياً عروبياً ناصرياً )، كما تحدّث عن روا ج شعره، ومساحة انتشاره،فقال: ( يمتد شعره على امتداد وطن العروبة من الأطلسي حتى الخليج العربي) ثم عاد ليصفه بقوله: ( أبو خلدون ذاك الإنسان الشاعر والشاعر الإنسان الذي لاانفصام لديه بين الشعر والوطن والأمة . حسن الخليل صديق صدوق )ورأى أنه كاتب متمكن، سلس اللغة،جزل الكلمات .. تنساب الكلمة بين يديه كنهر الفرات)، وكأني بكاتب المقدمة، استدرك نفسه فتحفّظ، وأراد أن يترك الحكم على أشعاره للقارئ،فقال وكلمتي هذه ليست شهادة بقدر ما هي بدوة وبوابة مفتاحية لأي داخل إلى واحة الشاعر حسن)، و إذا كان الأستاذ حسن كما رآه كاتب المقدمة كاتباً متمكناً وشاعراً تنساب الكلمة بين يديه كنهر الفرات، وتمتد أشعاره على امتداد وطن العروبة، فمن حقه أن َ يفكر بجولة أدبية، يقوم بها إلى الأقطار العربية، يلقى فيها جماهير الأمة التي تقرأ أشعاره، وهذا شأ ن الشعراء الكبار الذين يحرصون على التواصل مع جماهير قرائهم، لذلك قال في إحدى مقابلاته الصحافيةوإنني أنوي القيام بجولات وزيارا ت لأقطار عربية لغايات أدبية)
رأي المؤلف في البعد القومي للشعر العربي:
وأتوقف الآن عند إجابته عن سؤال ألقته إليه جريدة (المجد) الأردنية في إحدى مقابلاته الصحافية المدونة في هذاالكتيب، وهو : كيف تنظر إلى البعد القومي للشعر العربي؟ فأجا ب الشعر العربي، ومنذ بدايا ته الأولى نشأ شعراً قومياً متوجهاً إلى الجماعة (القوم)، فالشاعر كان شاعر القبيلة (القوم ) والناطق باسمها، وصحيح أنه لكل قبيلة شاعر، لكنهم كانوا جميعاً سرعان ما يتجاوزون الانتماءات الخاصة إلى الأعم والأشمل ..إلى ما بخص القوم .)
الرد على المؤلف:
وهنا وقع الأستاذ في خطأ، أسا ء فيه فهم دلالة الكلمة، ويبدو أنَّ مفهوم ( القوم ) قد اختلط عليه،فمرة يفهم القوم على أنها كلمة تدل على الانتماء إلى القبيلة، ومرة أخرى يفهمها على نحو أوسع، تدل على مجموع القبائل التي يجمعها رابط مشترك، وبهذا يطبّق مفهوم (القومية) المعاصر المأخوذ من(القوم) على زمن قديم لم يكن فيه هذا المصطلح موجوداً، ولامفهوماً وقتذاك بدلالته المعاصرة، فجعل مفهوم ( القوم ) ضبابياً عائماً، ومن المعروف أن مفهوم (القوم) عند العرب الجاهليين، ومن جا ء بعدهم كان على نحو ما أشارت إليه المعجمات العربية القديمة، وعّرفه ابن منظور المصري في معجمه(لسان العرب ) بقوله القوم: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً ، وقيل: هو للرجال خاصة دون النساء .. وقوم كل رجل: شيعته وعشيرته.) فكلمة ( القوم ) عند القدماء تعني الجماعة والعشيرة، ولا تعني الأمة أو القومية، والشعر العربي في بدايته لم ينشأ شعراً قومياً بدلالة الكلمة المعاصرة، وإنما نشأ شعراً قبلياً، ولم تكن ( القومية ) بدلالتها المعاصرة معروفة في العصر القديم ، وكان الإنسا ن الجاهلي ومن جاء بعده شاعراً أو غير شاعر ، يكنّى بقبيلته، فيقال مثلاً: طرفة بن العبد البكري، وعروة بن الورد العبسي، وحاتم الطائي، والنابغة الذبياني، وكان الشاعر العربي القديم بوقاً إعلامياً لقبيلته، تستخدمه في مواجهة خصومها وأعدائها من القبائل العربية الأخرى ، وكانت النزاعات القبلية تنتهي أحياناً إلى حروب مستعرة قد تطول عقوداً من الزمن،وكانت النزاعات القبلية هي السائدة في العصر الجاهلي وما تلاه من عصور ، وأثمرت(شعر الحماسة) وشعر (المنصفات) وكان كل شاعر يتعصب لقبيلته على من يخاصمها أو يحاربها حتى قال أحدهم :
وما كنت إلاّ من غزية إنْ غوت غويت ، وإنْ ترشد غزية أرشد
ولم يكن عند الجاهلين وعي عربي يتخطى إطار القبيلة ليشمل القبائل العربية إلاَّ في حالات عفوية
ناد رة حين تستشعر بعض القبائل خطراً خارجياً، وفي أرقى أشكال التضامن القبلي في الجاهلية الذي تجلّى في معركة(ذي قار) بين الفرس وبعض القبائل العربية تخلّف بعض القبائل العربية في المشاركة بهذا التضامن،فعاتبها الأعشى البكري بقوله :
لو أنَّ كلّ مَعَدِّ كان شاركنا في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف
رأي المؤلف في الشعر العربي القديم والحديث:
وألقت إليه في هذا الكتيب جريدة ( صوت العرب ) القاهرية السؤال التالي: الشعر قديماً وحديثاً أين أنت من اللونين؟ فأجاب: (أصبح من الشائع والمتعارف عليه أن كلمة الشعر القديم تشير إلى الشعر المقفى والموزون وفق بحور الشعر العربي الستة عشر الفراهيدية .. والحديث تشير إلى كل ما هو خروج عليهما، وأنا شخصياً أرفض هذه القسمة، وهذا الخروج غير القانوني والدستوري بالنسبة للحديث، لأنَّ الشعرشعر، والنثر نثر، ولا وسط بينهما، وما يسمى قصيدة النثر، فهو مضحكة على اللحى، وعجز عن الارتقاء بالكلام إلى مستوى الشعر، وقد أكون مصيباً إذا قلت لك: إنَّ هناك من يدعم، ويشّجع ما يسمى بقصيدة النثر، ولا أَّظنه يريد لأدبنا الخير،فللقصيدة وزنها وقافيتها اللذان يحددان هويتها، ويمنحانها شهادة الميلاد .. ومع ذلك لم تحافظ هذه القصيدة على شكلها وقدسيتها، وإنما كان هناك خروج عليها بدءاً من نازك الملائكة ومروراً بفدوى طوقا ن وحجازي ودرويش ونزار، وكان خروجاً جميلاً مرخصاً ومسموحاً به، لا لأن هؤلاء شعراء كبار، وإنما لأنهم استأذنواوحا فظوا على الأصول والأمانة .. أمَّا الحديث والذي أظنّك قصدته، ألا وهو ما يسمى قصيدة النثر، فأعتقد أنه لم يلتزم بمحدّدا ت القصيدة، وكان خروجاً فوضوياً.)
الرد على المؤلف:
إنَّ إجا بته هذه تعكس فهمه للأدب والشعر، كما تعكس بجلاء مستوى ثقافته فيهما، والحق أن فهمه الخاطئ لبدا يا ت نشوء الشعر العربي في إجا بته عن السؤال السابق لم يد هشني قدر ما أد هشني فهمه للشعر، فهوعَرَّف الشعر بقوله إنَّ كلمة الشعر القديم تشير إلى الشعر المقفى والموزون وفق بحور الشعر الستة عشر الفراهيدية.)، وهذا يعني أَن الشعر مجرد من ( المعنى ) وعنصر المعنى من مكوّنات الشعر،وهذا الفهم متخلف ، يسيء إلى الشعر نفسه، ولو جا ء شعرالأستاذ مطابقاً لتعريفه لكان ضرباً من السخف لا معنى له، لأنه لغو لا طائل منه، وكان القدماء أكثروعياً منه في فهم الشعر، وقد عَرفّ الشعر قبل نحو ألف عام الناقد (قدامة بن جعفر) مؤلف كتاب (نقد الشعر) بأنه (قول موزون مقفى يدل على معنى )، ولم يجمع النقاد على هذا التعريف فحسب، وإنما أَضافواإليه أنه ينبغي أَن يثير فينا الانفعال، ويحرّك أسلوبه الجميل مشاعرنا، ولم يشترط فيه بعض المحدثين الوزن ولا القافية، ويرى أَن المتعارف عليه في الشعر الحديث أنه كل ماهو خارج على الوزن والقافية، والحق أنَّ هذا ليس متعارفاً عليه، فالبارودي شاعر كبير مقلد، كتب في الشعر العمودي، ولم يخرج عليه، ومع ذلك، يقول في إجابته عن السؤال نفسه إنه رائد الشعر الحديث )!! فكيف يتعارف الناس أَن الشعر الحديث هو كل ما خرج على الوزن والقافية، وأَن من يلتزم بهما ،البارودي، رائد الشعر الحديث؟ أليس هذا تناقضاً واضحاً وخلطاً بالمفاهيم؟ فالشعر الحديث بمضامينه قد لايخرج على الوزن والقافية، وقد يخرج عليهما، ولكنه يظل مع ذلك ملتزماً بوزن التفعيلة والروي المتنوع في القصيدة الواحدة، وبعبارة أخرى، الشعر الحديث يعني الشعر العمودي بمحتوى حد يث، كما يعني شعر التفعيلة أيضاً، وإذا أردنا التمييز بينهما على وجه الدقة، نقول: هذا شعر عمودي، وذاك شعر التفعيلة، أما الأستاذ فيرفض القسمة بينهما، ويرى أَن خروج الشعر الحديث غير قانوني ودستوري، ويعني بالشعر الحديث، شعر التفعيلة، والغريب أَنه يعود مرة أخرى في سياق إجابته نفسها ليرى أَن خروج نازك الملائكة وفدوى طوقان وحجازي ونزار، كان خروجاً جميلاً مرخصاً ومسموحاً به، لأنهم استأذنوا، وحا فظوا على الأصول والأمانة، ولم يذكر ماذا يقصد بالأصول والأمانة !! فكيف يكون الخروج على الشعر العمودي خروجاً غير قانوني ودستوري ومرة أخرى يكون جميلاً مرخصاً ومسموحاً له؟ ألأنَّ هؤلاء حافظوا على الأصول والأمانة، وغيرهم لم يحافظ عليهماا؟ ما الجهة التي أستأذنها هؤلاء حتى حصلوا منها على الترخيص اللازم؟ فسمحت لهم بإعلان إبداعهم، ونشر تجديدهم؟ وأريد أَن ألفت الأستاذ أَنْ لا شيء مقدس في الأدب كما توهم.
جهل المؤلف تطور حركة الشعر:
وقد أخطأ خطأ ينم عن جهله حركة تطور الشعر العربي حين ذكر أَن الخروج على الشعر العمودي ابتدأ في خمسينا ت القرن المنصرم بنازك الملائكة وفدوى طوقان ونزار وغيرهم، والحق أَن الخروج على الوزن والقافية كان قبل خمسينات القرن الماضي بوقت طويل، ربما كانت بدايته تعود إلى العصر العباسي حين ظهر الشعر الغنائي في تلك الفترة الذي اتسم بالليونة وبخفة الأوزان، ثم ظهرت الموشحات الأندلسية، فخرجت قصيدة الشعر الغنائي والموشحات على البحر الواحد والروي الواحد، ثم واصل الشعراء العرب محاولاتهم في التجد يد منذ بدايات القرن العشرين، فظهرت قصيدة(النهاية) عام ألف وتسعمائة وسبعة عشر للشاعر المهجري (نسيب عريضة)، وفيها خرج الشاعر على البحر الواحد والروي الواحد، ثم ظهرت بعدها بعامين قصيدة (المواكب) لجبران خليل جبران، وكان جبران يتلاعب فيها بالنغمات، ويمزج وزناً بوزن، ثم ظهر بعد ذلك شعر التفعيلة في قصيدة (الشراع) لخليل شيبوب عام اثنين وثلاثين وتسعمائة وألف، ثم توالت قصائد(شعر التفعيلة) في الظهور حتى نهاية أربعينا ت القرن الماضي، فظهرت حينذاك الأسماء التي توهم الأستاذ أنها كانت أول من خرج على الشعر العمودي، ولاشك أنَّ للشعراء الذين أشار إليهم فضلاً في ريادة شعر التفعيلة إلى جانب السيا ب والبياتي رغم أَنَّ هؤلاء كتبوا في الشعر العمودي أيضاً، ولم يحدثنا التاريخ الأدبي أَنَّ من سبق هؤلاء الروَّاد في الخروج على الشعر العمودي استأذنوا أحداً في نشر إبداعهم، أو أَنَّ محكمة قضائية أصدرت حكماً على تجديدهم أوإبداعهم بأنه غير قانوني أو دستوري.
الإبداع الأدبي لايحتاج نشره إلى استئذان:
فمتى كان الإبداع الأدبي يحتاج نشره إلى استئذان أو ترخيص؟ وهل من سلطة قضائية في الأدب كسلطات الدولة، ترسم للأدب دستوراً، وتضع للإبداع قوانين، فتوافق على ما يخضع للدستورأوالقانون، وتمنع نشر ما يخرج عنهما؟ ومن يدري؟ فربما لو خضع نتاج الأدب عندنا لسلطة أدبية صارمةخبيرة بالشعر والأدب،لاتحابي أحداً، مهمتها حماية الأدب من المتطفلين عليه، المسيئين إليه، لكانت أنقذته من تراكم نتاجات أدعياء الأدب والمتشاعرين، ولما تجرأ متشاعر أن يقتحم مجالاً ليس له، ويتخبط في إجا با ته عن أسئلة في الأدب والشعر تنم عن جهله بهما، ولكان شعرنا وأدبنا في ظل هذه السلطة، لو وجدت،بخير. الأستاذ ينظر إلى الشعر من زاوية مادية بحتة، لا تنسجم مع روحه وطبيعته، كأن الشعر معروض شخصي لمواطن، يتقدم فيه إلى دائرة من دوائر الدولة، يلتمس الموافقة عليه، أو طلب شخصي، أو سلعة تحتاج إلى الترخيص اللازم لعرضها ثم بيعها في السوق، ينظر إلى الشعر بعقلية البائع الذي يهدف إلى جني الربح وتجنّب الخسارة، ولاعجب في ذلك، فالأستاذ كانت عنده مكتبة، يبيع فيها الكتب والمواد القرطا سية إضافة إلى عمله بالزراعة وتد ريسه مادة الفلسفة، لذا هيمنت على ذهنه مفردات العمل التجاري(القسمة، قانون، مرخص، مسموح،الأمانة،الأصول)، وانعكست على مفهومه للشعر، ولا أظن سائله قصد بالشعر الحديث قصيدة النثر، وإنمّا الأستاذ فهم منه ذلك، وليس صحيحاً أَنَّ الشعر الحديث يعني قصيدة النثر، فالشعرالحديث شيء، وقصيدة النثر شيء أخر، واختلطت عليه دلالة مصطلح (الشعر الحديث) الفضفاض، فيحسبه مرة(شعر التفعيلة)، ويحسبه مرة أخرى( قصيدة النثر)، ولم يعد يميز بينهما، فالنقاد لا يرون الشعر في الكلام الجميل الذي له معنى، ويلتزم بالوزن والقافية إلاًّ إذا حَرَّك مشاعرنا، وأثارانفعالنا، فالتزام النص بالوزن والقافية والمعنى دون العاطفة والخيال لا يعني أنه نص شعري وإلاَّ لكانت ألفية ا بن مالك شعراً، وهي نظم، فما كل نظم شعر، ويرى النقاد الشعر في نصوص نثرية لا تلتزم بالوزن والقافية، فالفاصل بين الشعر والنثر ليس الشكل ولا الوزن والقافية ولا المعنى فحسب،
و إنما في روح النص أيضاً المكتوب بأسلوب جميل، يضطرم في داخله وهج ذات صاحبه.
قصيدة النثر ليست جديدة على أدبنا العربي:
إنَّ الشعر المنثور، أو ما يطلق عليه ( قصيدة النثر) هو شعر متحرر من قيود الروي والوزن، لاحدود لمساحته في التعبير، تتوهج فيه ذات الكاتب بأسلوب مؤثر يبلغ مستوى الشعر الجميل، يعجز أن يرتقي إلى مستواه نتاج المتشاعرين، وليس هذا النوع من الشعر حديثاً في أدبنا العربي، وإنما هو قديم جداً فيه، وقد نمت(قصيدة النثر) في العصر الحديث على أيدي أدباء موهوبين كبار،كانوا شعراء مؤثرين حقاً في نثرهم أمثال نزار قباني وطه حسين وغادة السمان وجبران خليل جبران ومي زيادة ومحمد الماغوط. ولم تخرج(قصيدة النثر)عن الشعر خروجاً فوضوياً كما يزعم، ولم تطرح نفسها بديلاً عن الشعر العمودي أو(شعر التفعيلة)، وإنما نمت نمواً طبيعياً، واتخذت لها مساراً مستقلاً يمثل إحدى حلقات تطورالشعر الذي يريده أن يظل جامداً على صيغة واحدة، لا يبارحها هي الشعر العمودي ليس غير.
المتطفلون على الشعر أساؤوا إليه:
نعم ! اقتحم ( قصيدة النثر) كتاب متطفلون، تنقصهم الموهبة والكفاءة، فكتبوا قصائد، أساءت إلى (قصيدة النثر)، ونفرت الناس من الشعر المنثور، كما اقتحم أمثال هؤلاء (شعر التفعيلة)، فكتبوا قصائد، أساءت إليه، ونفرت القّرّاء منه، واختلطت القصائد الرائعة بالقصائد الرديئة في( شعرالتفعيلة) و( قصيدة النثر)، ولكن ينبغي أن لا تحجب القصائد الرديئة عن عيوننا رؤية القصائد الرائعة؟ ولا تدفعنا القصائد الهابطة إلى الإعراض عن القصائد الجميلة في هذا الشعر أو ذاك. ولايصح أن نتخذ من القصائد الرديئة معياراً نحكم به على (شعر التفعيلة) أو (قصيدة النثر)، ونهمل القصائد السا طعة منه، لأنّ في ذلك تجنّياً على القصائد الرائعة، وقل مثل ذلك في الشعر العمودي الذي يكتب فيه الأستاذ، ويدافع عنه، فكثيرمن المتطفلين عليه، ممن يفتقرون إلى الكفاءة وموهبة الشعر، تسللوا إليه، فكتبوا فيه قصائد رديئة، أساءت إليه، ونفرت القراء منه رغم محاباة وسائل الإعلام لهم، وترويجها نتاجاتهم، فهل يصّح أن نتخذ قصائد هؤلاء(المتشاعرين) الرديئة مقياساً للحكم على الشعر العمودي، ونهمل القصائد الرائعة التي كتبها الشعراء الموهوبون الكبار؟ إنَّ المشكلة التي يعاني منها شعرنا العربي اليوم هي المشكلة نفسها التي تعاني منها مختلف ألوان الفنون والمعرفة في حياتنا الثقافية أنه ابتلى بالمتطفلين عليه، الأدعياء الذين اقتحموا ميدا ناً ليس لهم، ورغم ذلك كله، فإنَّ قصائدالشعر الجميلة الرائعة تظل تخطف الأضواء، تفرض نفسها، وتطغى على قصائده الرديئة الهابطة المنزوية في عتمة الإهمال والنسيان، أَمّا قوله: إنَّ من يشجع ( قصيدة النثر) لايريد لأدبنا الخير، كما يزعم، فأسأل: هل من يجهل النماذج الرائعة لرّواد ( قصيدة النثر)و( شعر التفعيلة)، ثم يطلق عليهما أحكاماً متسرعة، هو وحده يريد الخير لهذا الأدب؟ وماذا يمكن أن يفيد الشعر من يجهله؟ وهواعترف بعدم إطلاعه على الشعر الحديث، كما يسميه، وبجهله إياه، وإجاباته عن أسئلة في الشعر والأدب، تدل على ذلك، فقال لم يدخل نفسي، ولا ميل لي لقراءته) وليته لا يميل إلى قراءته فحسب، لكنّ الأنكى من ذلك، أنه لايميل إلى مطالعة الكتب الأدبية، وهذه مشكلته الحقيقية في الشعر والأدب والثقافة ! فكيف يجيز لنفسه أن يحكم على شعر لم يقرأه؟ أليس هذا ظلماً لشعر مايفتأ يكيل له التهم جزافاً ؟
المؤلف لايميز بين عناصر الأدب وأجناسه:
وأسوق على ما أزعم شاهداً من خارج الكتيب موضوع حديثنا، يبين مدى ثقافة الأستاذ الأدبية والشعرية وذلك ماجاء في حوار أجراه معه الصحفي المعروف أحمد مظهر سعدو بتأريخ 31/8/2007، ونشرعلى موقع مجلة(ديوان العرب)الإلكتروني، بعنوانحوار مع الشاعر السوري حسن علي الخليل) استهل الصحفي الحوار بمقدمة جاء فيها: (يتربع الشاعر العربي حسن علي الخليل على صهوةالشعر، فيخط بالقلم مايعجز عنه غيره بسواه)، أجا ب الأستاذ حسن من بين عـدة أسئلة مطروحة عليه عن سؤال حول أفول زمن الشعر وصعود القصة القصيرة والرواية، فقال: (الأدب عناصره القصة والإقصوصة والرواية والشعر، ويتوقف وجود الأد ب عن هذه الأنواع)، ونفهم من إجابة الأستاذ أنّ الأد ب موجود، إذاوجدت القصة والأقصوصة والرواية، وبدونها لا وجود له، وإذاً فالعرب لم يظهر عندهم أدب إلاّ في أواخر القرن التاسع عشروأوائل القرن العشرين حين أخذوا من الغرب الرواية والقصة والأقصوصة والمقالة والخاطرة، فماذا يقول الأستاذ عن الأد ب الجاهلي، وهو(ديوان العرب) الذي أخذت المجلة اسمه؟ وماذا يقول عن الأدب الإسلامي والعباسي والأندلسي الذي تحدّث عنه،وكتب فيه النقاد والباحثون والمؤرخون العرب وغيرهم قديماً وحديثاً؟ أليس هذا أدباً؟ إنّ عناصر الأدب ليست القصة والأقصوصة والرواية كما توهم الأستاذ، فهذه سمّاها النقاد فنون الأدب أوأجناسه، أمّا عناصر الأد ب التي يتألف منها الشعر والنصوص الأدبية الأخرى، فهي الفكرة والأسلوب والعاطفة والموسيقا والخيال، ينبغي أن لايخلط الأستاذ بين فنون الأدب وعناصره،. وأشهد للأستاذأنه كتب الشعر قبل ثمانينات القرن الماضي، لكن كتاباته فيه كانت عبثية أومزاجية ليست جادة يوم كانت أمواج الحياة العاتية في البداية تتقاذفه من مكان إلى آخر، ولم يكن يعرف الاستقرار، ويوم كانت طموحاته في الحياةلاحدود لها، وكان في أثناء ذلك ، يكتب شعراً حيناً، وينقطع عـنه في أغلب الأحيان، وكان يطلعني على ما يكتب، وأنا أنظر فيه، ولمّا رأيته مُصراً على مواصلة الكتابة في الشعر لم أجد بداً من حثه على تثقيف نفسه أدبياً وتمكينها لغوياً ونحوياً . صدرت له الدواوين التاليةأزاهير سيناء) و (أصداء نفسي) و (خفقات قلب)، وانتهى من طباعة ديوان(رجع الحنين)، وسلم للمطبعة ديوان(أكاد أعترف) أو مجموعة(العراقيات)، وأغلب دواوينه تصب في اتجاه واحد هو الموضوع الوطني والقومي.
أستاذه في الشعر:
ومثله الأعلى في الشعراء الشاعر الكبير(نزار قباني) الذي التف بعباءته، ولم يخرج منها قط، واعترف بتأثيره البالغ فيه، فقالإنني لا أنام إلاَّ وبعض دواوينه إلى جانبي، ولا أحدّث أحداً إلاَّ واستشهدت بأشعاره، فهو مدرسة، ولي بكل تواضع شرف الانتماء إليها)، وتجلى هذاالتأثيرفي قصائده، وبعد أن نشرت له الصحف العربية ما نشرت، وحاورته بما حاورت، وبعد أن أطرى كاتب المقدمة على ما كتبه في الشعر بما أطرى، وقالإنّ شعره يمتد على امتداد وطن العروبة من الأطلسي حتى الخليج العربي)، وبعدما صار يحسب نفسه شاعراً ذا شأن، تقرأ له جماهيرالأمة ما يكتبه، صار من حقه عـلي أن أقرأ نتاجاته ومحاوراته وقصائده المنشورة.
حسين حمدان العسّـا ف
حسين العساف- المدير العام
-
عدد الرسائل : 58
تاريخ التسجيل : 24/06/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى